الأربعاء، 20 يوليو 2011

رواية لا تيأس فغدا أجمل.بقلم:ريتا رضوان عيد.الفصل الثاني.

رواية لا تيأس فغدا أجمل:
الفصل الثاني:
بقلم:ريتا رضوان عيد

لا يمكن لي أن أصدق أن جارنا العزيز (أبو فتحي)أصبح الان مجرد ذكرى...وأنه لم يترك لنا سوى صدى صوته الذي كان دوما يردد بكل ثقة و بكل أمل وثقة "عالبلاد راجعين"...
كان من الصادم لي أن أراه ممدا على الأرض وهو ينزف بكل غزارة...وللأسف لا أحد يستطيع المساعدة...فمن يقترب منه...لن يبقى حيا بكل تأكيد...
جعلوه ينزف ويموت أمام الجميع وبكل بساطة...نظرت إلى يد جارنا البطل (أبو فتحي) التي كانت قابضة وبكل قوة على مفتاح لبيته القديم في فلسطين كان معلقا في رقبته...في حقيقة الأمر أنني لا أذكر أني رأيته يوما بدون ذلك المفتاح...كان دائما يقول"حياتي بهالمفتاح ولو ضاع مني ما بيعود إلي لزوم...
لقد رحل الآن أبو فتحي ...ولن نراه مجددا...ولكن وصيته لنا ...ستبقى في قلوبنا إلى الأبد...وسيبقى هو رمزا للتحدي والصمود في قريتنا ...وسنبقى دوما فخورين به...ونسير على دربه...
قررت أن أعود إلى داخل البيت...فمثل هذه المواقف...تصيبني بنوع من الجنون...وتجعل بركان من الغضب يتملكني...وحينها...قد لا تكون العواقب سليمة...
عندما دخلت البيت...رأيت مراد يجلس في الزاوية...خافضا رأسه إلى الأسفل...ومغمضا عيناه...وفي جسده رعشة واضحة... جلست أمامه...ورفعت رأسه إلى أعلى بيدي...
حاولت أن أحدثه...ولكن بدون جدوى...أحضرت له كوب ماء ليهديء من روعه...فلم يقبل أن يشرب...
مضت ساعة أو أكثر ...وهو كما هو بدون أي حراك...ثم نطق مراد أخيرا وقال"ألا يوجد من يحاسبهم؟!"أخبرته بأن التاريخ لا يرحم وأن الرب مستحيل أن يغفر لهم وسيحاسبهم بكل تأكيد...نظرت إليه وتلك الدموع البريئة على خديه...ووجدت نفسي لا شعوريا أبكي معه...أعلم أن البكاء لا يسترد ما فقد...ولكنه أراحني قليلا...

اقتربت منا جيهان وأخبرتني أنها قلقة جدا على هاني ولا تعرف أين هو الآن وأن الأوضاع في الخارج متأزمة للغاية...فعليها الذهاب كي تطمئن عليه...قلت لها بأن هذا مستحيل...فالوضع خطير جدا...قالت وبألم"ولكني لن أستطيع أن أكون هنا ولا أعرف أين زوجي...علي الذهاب يا وطن فلا يوجد وقت ...ولن أعود عن قراري"...

أصرت جيهان على الذهاب لترى زوجها...وللأسف لم أستطيع أن أوقفها...ولكني أصريت عليها أن تأخذني معها...فرفضت في البداية...ولكنها أذعنت بعد ذلك...
ذهبت جيهان لتخبر أمي بأن علينا الذهاب...فحاولت أمي منعنا...ولكن إصرار جيهان وبشدة أجبر أمي على الإذعان للأمر الواقع...
خرجنا من البيت سويا...ورأينا الجنود في كل مكان..على الأسطح...في المفارق..بقرب الحواجز...اقترب منا عدد من الجنود ...وصوبوا أسلحتهم نحونا...وطلبوا منا أن نرفع أيدينا..وبدأوا يطلقون النار حولنا وهم يقتربون منا...كان الموقف مثير للحماس...والغريب في الأمر أننا لم نشعر بأي ذرة من الخوف منهم...بل ونظرنا إليهم بكل استحقار...وهذا
ما زادهم غيظا وقهرا...فقال لنا أحد الجنود بلكنته الغبية "عودوا إلى بيوتكم..."فأخبرتني جيهان بأنها لن تذهب قبل أن ترى هاني..."وأثناء وقوفنا والجند يحيطون بنا من كل جانب...سمعنا صوت صفير قريب منا...فضحكت جيهان...فقل الجندي وبغضب..."هذا تحذير نهائي،هيا عودوا وإلا..."فقالت جيهان "هيا بنا يا وطن"..فأدرنا ظهرنا وسرنا سويا باتجاه البيت،وأسلحتهم ما زالت مصوبة نحونا...سألت جيهان..لماذا عدتي بعد سماع الصفير...فابتسمت وأخبرتني بأنه صفير هاني وأن قلبها الآن اطمئن...فارتحت من أجلها...ودخلنا البيت...فابتسمت أمي ونظرت بارتياح لأننا بخير...
وبعد قليل من عودتنا...سمعنا صوت شيء ما ...فقالت جيهان بأن مصدر الصوت من خلف المنزل...فذهبنا للخلف...كان هو هاني قد جاء من الخلف ...فركض مراد نحوه وكذلك جيهان...شعرنا حينها بارتياح كبير لأن الجميع بخير...فقررت أنا وأمي الذهاب إلى المطبخ لإعداد الغذاء،فالساعة الآن السادسة ونشعر بجوع كبير...أعدت أمي العدس الشهي وساعدتها أنا في ذلك...ثم جلسنا جميعا لتناول الغذاء...قالت جيهان بصوت يبدو عليه الارتياح"الحمد لله أنك بخير يا هاني...شعرت بالقلق عليك...ولكن أخبرني كيف عدت؟!"...قال هاني بسرور...ألم أخبرك سابقا بأنه لا داعي للقلق؟فهذه ليست المرة الأولى التي أدخل فيها القرية..." قالت جيهان "كن حذرا يا هاني فالوضع هنا ليس سهلا"فرد هاني"أعدك بأنني سأكون حذرا دوما"...قاطعهم مراد وأخبر أبيه بما فعله الجنود مع أبو فتحي ولكن يبدو أن هاني كان يعلم بما حصل ...فأبدى أسفه الشديد لذلك...
بعد الغذاء...شعرت بإنهاك وألم شديد في كامل جسدي...فقد كان يوما طويلا متعب...فأخبرتهم بأنني سأنام في غرفة أمي...وأن بإمكانهم النوم في غرفتي...
ذهبت إلى الفراش ...ووضعت رأسي على الوسادة...وبعد بضع ثواني... ذهبت في نوم عميق...
وفي صباح اليوم التالي أيقظتني جيهان كي أتناول الفطور معهم...فأخبرتها بأن الوقت غير كافي فأنا وعدت دلال بأني سأرافقها إلى المكتبة صباح اليوم...وعلي أن أذهب الآن لأجهز نفسي للخروج...
قررت أن أرتدي معطفي الأسود ذو الأزرار الحمر...أعتقد أنه أنيق...ثم أنني أعشقه لسبب ما...ومصادفة أن يومي يكون جميلا جدا كلما أرتديه...فالمرة السابقة التي ارتديته فيها... حين ذهبت مع صديقتاي بحذر شديد إلى منطقة الحدود التي تفصل منطقتنا عن أرضنا المحتلة...ورأينا فلسطين التي كانت قريبة جدا منا...حيث رأينا الميناء...واستطعنا أيضا رؤية برج طويل رفيع...لا أدري لم يستخدم في الحقيقة ولكن كان يخرج منه الدخان بكثافة...كنت على وشك الاقتراب أكثر وأكثر ...ولكن أعلم بأن اقترابي أكثر بقليل... سيعرضني للقتل بكل تأكيد...لم أقترب ليس لأنني أخاف من الموت...ولكن الوطن ما زال بحاجتي...وأنا إلى الآن لم أفعل له شيئا...
ارتديت ذلك المعطف...وانتعلت حذائي أيضا...وقبلت أمي وقلت لها بأنني سأذهب إلى المكتبة مع دلال كما أخبرتها أمس...فأصر مراد على الذهاب معي ولكن جيهان لم تسمح له بذلك...
فتحت باب البيت وانطلقت خارجا...فكانت نسمات الهواء اللطيفة تملأ المكان ...وكان هناك خمسة جنود بقرب الحاجز ذاك ،يتحدثون بصوت منخفض جدا...فتوجهت مباشرة إلى بيت دلال الذي لم يكن بعيدا عنا سوى بضعة أمتار كحال كل بيوت القرية...طرقت باب بيتهم بقلق من أن أكون قد أزعجتهم فالوقت لا يزال مبكرا...فتعجبت من دلال التي فتحت لي الباب بمجرد أن طرقته...وقالت"صباح الخير...لقد اعتقدت أنك نسيتي الأمر،وكنت الآن ذاهبة إلى بيتكم "...فأخبرتها بأنني أحب الذهاب لقراءة الكتب فكيف لي أن أنسى ذلك؟! ثم سألتها إن كانت مستعدة .؟فأجابتني بأنها جاهزة ولكنها نسيت أن تحضر حقيبتها...فانطلقت مسرعة وأحضرتها...ذهبنا إلى المكتبة التي كانت في أخر الشارع حمدا للرب أن الجنود لم يوقفونا...وعندما وصلنا كان باب المكتبة مفتوحا...دخلنا سويا...ووجدنا هناك عدد من القراء...فأخبرتها بأن كتاب الحروب الشعبية موجود على رف في أقصى يسار المكتبة ...توجهنا سويا إلى هناك...ولكني فوجئت بخلو الرف من الكتب ومع أني رأيت فيه أمس أكثر من 20 نسخة من نفس الكتاب...بينما أنا ما زلت أتحدث عن روعة هذا الكتاب وعن أسفي لأنه لم يعد موجودا...اقترب منا رجل في الخمسينات من عمره وسألني إن كنت أبحث عن شيء فأخبرته بأني أبحث عن كتاب الحروب الشعبية الذي كان بالرف العلوي والآن اختفى...فقال بصوت حزين"هذا الكتاب كان ممنوعا من النشر...وحصلنا على تلك النسخ بصعوبة،وللأسف لا يوجد غيرها...وبالأمس صادرتها سلطات الاحتلال...ثم ضحك باستهزاء وقال متهكما .. التهمة أنها تشجع على الإرهاب...هم يقصدون دفاعنا عن الوطن...ثم قال...نسيت أن أعرفكم بنفسي...أنا العم صبحي،صاحب هذه المكتبة"فأخبرناه بأننا سعداء جدا بمعرفته فقال لنا"تعالوا معي إلى ذاك الرف على اليمين...فذهبنا ورائه فأخرج كتاب كان في زاوية الرف...وقال "خذوا هذا... إنه كتاب جيد يتحدث عن الشعوب المضطهدة وطريقها إلى النور...فأعطاني الكتاب وأعطى دلال نسخة أخرى من نفس الكتاب...
تغيرت الحياة بالنسبة إلي...ومضت الأسابيع وأنا من البيت إلى المكتبة ومن المكتبة إلى البيت...وفي الحقيقة لم أكن أشعر بأي ملل من ذلك...وكيف سأشعر بالملل وكل كتاب يشكل عالم أخر...
ساعدني دوما العم صبحي في اختيار الكتب وبدقة...ولا يمكن التصور كم أفادتني تلك الكتب وزادتني خبرة...سأبقى لآخر يوم في حياتي شاكرة للعم صبحي فهو كان لي بمثابة والدي الذي لطالما افتقدته...
الآن وبعد انتهاء الصيف ...كان ذهابي للجامعة غريب بالنسبة إلي...لأنني فجأة وجدت نفسي أمام وجوها مختلفة...فشعرت في البداية أنني ضائعة...فقد عشت مع نفس المجموعة من الناس لسنوات طويلة ...ووجودي في مكان لا أعرف فيه أحد أشعرني بالغربة حقا...ولكن إن كنت حقا أريد النجاح فعلي التأقلم منذ الان على الوضع الجديد ...سواء شئت أم أبيت...حاولت أن اندمج مع من هم حولي...وأن أقنع نفسي أن الأمر ليس بذاك السوء...
شعرت بأن رأسي سينفجر...فالوضع هنا مريع..كما أنني ما زلت بحاجة إلى أي عمل من أجل سداد رسومي الجامعية...
دخلت الجامعة...فرأيت إعلانا لمجلة الحقيقة تقول فيه أنها بحاجة إلى مصورين ...والجيد في الأمر أن من شروطها أن يكون المصور من نفس القرية التي أقطن فيها...فلم أفكر كثيرا في الأمر...وأخرجت ورقة وقلم ودونت عنوان المجلة وتابعت سيري إلى داخل القاعة وجلست في المقعد الأمامي...ولكن الغريب في الأمر أنني وطوال وجودي في الجامعة ...لم أفكر إلا بأمر واحد..وهو العمل وهل من الممكن أن يقبلوني في العمل معهم!!!
وبعد انتهاء دوامي الجامعي...ذهبت مباشرة إلى ذاك العنوان...فكانت هناك يافطة كبيرة يكتب عليها "مجلة الحقيقة"فسعدت لان بابها كان مفتوحا...فتوجهت إلى الداخل ..وكان هناك شاب يجلس على المكتب فأخبرته بأنني رأيت إعلانا للمجلة تقول فيه عن حاجتها لمصورين...فأخبرني بأن علي التوجه إلى أول غرفة على اليمين...
فعلت ذلك...فرأيت هناك رجل ذو شعر أبيض كان يتحدث بالهاتف وصرخ بأعلى صوته على من يحادثه قائلا"لازم يرجع اليوم"ثم أغلق الهاتف في وجه من يتحدث معه...فأدرت ظهري وعلمت أنه من المحال أن يوظفني في مجلته وهو في هذا المزاج العصبي...قال بصوت مرتفع قليلا..."هل من خدمة؟"فنظرت إليه وقلت" يبدو أن الوقت غير مناسب،عموما لقد جئت من أجل إعلان رأيته"فوضع يده على رأسه وقال "اووه أخيرا جاء أحد..."ثم أخبرني بصعوبة المهمة وأن هناك من قتل وهناك من جرح وهناك من اسر أثناء ممارسة هذه المهنة..فقلت له بأنني مستعدة مهما كلفني الأمر... فسألني عن مؤهلاتي العلمية فأخبرته بأنني لا أملك سوى شهادة الثانوية العامة وأنني الآن في الجامعة...فقال"عادة لا نقبل من هم في عمرك ولكننا الآن لا نملك خيارا آخر"فأخبرته بأنني سأعمل وبكل جهدي على أن أكون الشخص المناسب..فقال ولكن لم تخبريني لماذا تريدي أن تعملي الآن فالوقت ما زال مبكرا بالنسبة لك لممارسة العمل "...فقلت له بأنني بحاجة لأن أدفع رسومي الجامعية حتى لا أضطر لترك الجامعة...فقال سنتكفل برسومك...وأضاف عليك أن توقعي هذه فأحضر لي ورقة وقال اقرئيها ثم وقعي...فقرأتها بسرعة ووقعت...ثم ابتسم وقال "من الآن أنت من ضمن فريق العمل ...شعرت حينها بسعادة لا يمكن وصفها...وأن حملا كبيرا أزيح عن كاهلي الان...

بقلم:ريتا رضوان عيد

الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
احمد سعدات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

http://www.facebook.com/profile.php?id=100002062554798